حكايتي مع الصحفي الكندي الذي زار ينبع
حكايتي مع الصحفي الكندي الذي زار ينبع
إليكم الحكاية من أولها
عند الساعة التاسعة من صباح يوم الأحد 14 / 3 / 1423هـ اتصل بي مكتب رئيس بلدية ينبع سابقا د/ عبد العزيز العمار للحضور إلى مكتبه لأمر ما ، فلبيتُ الطلب بسرعة وعندما حضرتُ وسلمتُ عليه وعلى الموجودين عنده قال لي مازحا : أكيد أزعجناك من نومك ؟! فتبسمتُ وقلتُ له أنا رهن الطلب .. وأتبعَ حديثه : هذا ثمن لا بد أن تدفعه باعتبارك مسؤولا عن لجنة أصدقاء التراث في ينبـع ، ثم عرّفني بالحاضرين في مكتبه بعد أن عـرّفهم بشخصي؛ وجلستُ أمام صاحب المهمة ؛ وهو صحفي كندي الجنسية من أصل هندي اسمه ( سيد محمد هارون ) يصدر صحيفة هناك تعتبر من أهم الصحف الكندية ومعه مرافقيـْن من وزارة الإعلام السعودية عرفتُ منهما الأستاذ/ وليد دمنهوري.. تتـلخص مهمة الصحفي الكندي في إصدار كتاب وتحقيق لرحلة المستكشف البريطاني ( ريتشارد بيرتون) وهو مسلم كما يقال وقد زار ينبـع عام 1853م أي قبل 150 عاما من تاريخ هذا العام ، وذكر معلومات عنها في سياق رحلته إلى الحج مارا بمصر ثم إلى ميناء ينـبع..
وسألني عن هذا الرحّالة ” ريتشارد بيرتون” قلت أعرف أنه مستشرق بريطاني قيل إنه أسلم ، وزار مكة والمدينة متخفيا وقرأنا له انطباعات متناقضة عن ينبع وأحوالها ؛ لكن نحن أكثر معرفتنا بالرحالة العرب الذين مروا بينـبع وذكروها في رحلاتهم أمثال ( النابلسي ، وابن خلدون ، والجزيري أو الرحلة العياشية أيضا ) إضافة إلى ( بعض الأجانب المشهورين أمثال ( جون لويس أو لورانس) وعندما سمع اسم لورانس رد قائلا : نعم يوجد شبه بسيط بين ” لورانس ، وبيرتون ” لكن الفرق كبير بينهما فلورانس ألف كتابا واحدا عن الأحداث التي شهدها بينما السير بيرتون ألف أكثر من ستين أو سبعين كتابا ، ولورانس يتكلم العربية بركاكة إلى جانب لغته الإنجليزية بينما ” بيرتون” يجيد عشر لغات منها العربية . ثم سألني الصحفي الكندي أسئلة مباشرة عن عدد سكان ينبع في تلك الفترة التي زار فيها المستشرق (بيرتون ) ينبع وعن أنواع التجارة والسلع التي تصدّرمن هنا ، ثم عن بعض الأماكن القديمة التي ذكرها الرحالة ومنها ( سويقة وبئر سعيد والحمراء) ومسميات أخرى لم نستطع فهم نطقها نتيجة النقل والترجمة..
وعندما سألني عن عدد سكان ينبع في تلك الفترة أي قبل 150 عاما كان من الصعب أن أجيبه مباشرة ؛ حيث أن من الأخطاء التي يقع فيها الشخص أحيانا أن يدعي معرفة شيء وهو لا يعرفه تماما إما خوفا من الإحراج أو مجاملة أولأي سبب آخر ولا سيما أن السائل قد أخذ عني معلومات شخصية تشمل ( العنوان ورقم الجوال والعمر والعمل ،،، إلخ ) وعندما سألني هذا السؤال الخاص بعدد سكان ينبع قبل مائة وخمسين عاما ؟ تجاهلتُ السؤال حيث لم يكن لدي جواب جاهز ساعتها ولكن في نهاية الجلسة أي بعد دقائق جاءني خاطر فقلتُ له عدد سكان ينبع آنذاك ( خمسة آلاف نسمة) تقريبا فقد خطر ببالي في تلك اللحظة ما أورده مؤلف كتاب ( مرآة الحرمين) اللواء إبراهيم باشا عندما قال :
“أبحرنا من جدة على باخرة (النجيلة) فوصلنا ينبع غرة محرم 1321هـ الموافق1903م وقد استقبلنا بالميناء محافظ ينبع ورئيس عسكرها ،،،، ثم تابع اللواء إبراهيم باشا كلامه ،،
” ينبع البحر هذه المدينة واقعة على الساحل الشرقي للبحر الأحمر،،، ولها مرسى مبني بالحجارة ويسكنها ( سبعة آلاف نفس ) وبها (800) منزل و (300) دكان ،،، إلخ ) طبعا أنا الآن لا أكتب النص من الذاكرة ولكنني كنت أحفظ التاريخ وأعرف العدد ؛ لأنني أوردتُ هذه المعلومة في كتابي ( مسيرة التعليم في ينبع ) لذلك فأنا أذكرها جيدا ؛؛ فإذا كان عدد سكان ينبع عندما زارها اللواء إبراهيم باشا قبل مائة عام 7000 آلاف فأعتقد أنه من الطبيعي أن يكون عددهم قبل مائة وخمسين عاما ( خمسة آلاف ) هذا ما استنتجته .
أما بالنسبة للتجارة والسلع التي كانت متوفرة في تلك السنين فهي معروفة وقلتُ له إن أشهرها : السمن البلدي وعسل النحل والفحم البلدي والحناء والتمر والإقط وقد توقف عند كلمة الإقط واستعان برئيس البلدية الذي كتبها له بالحروف الأجنبية وشرحنا له تكوين هذه المادة الغذائية التي هي من اللبن المجفف .
ثم قدم شكره لرئيس البلدية الدكتور العمار على تعاونه واهتمامه وتزويده بالمعلومات والصور وإطلاعه على بعض الصفحات عن أحوال ينبع ونشاطها الاجتماعي والسياحي من خلال المطبوعات الموجودة لدى البلدية ، ثم خرجنا من مكتب رئيس البلدية وزرنا مكتب المهندس ( ياسرعلي جريد) مدير مكتب رئيس البلدية وفتح للضيف موقع بلدية ينبع على الإنترنت وأطلعه على أهم الصور القديمة لينبع وأعطاه نسخة منها على ( سيدي )، ثم قام الصحفي الكندي بفتح موقع جريدته في كندا وأطلعنا على محتوياتها وعزمه إعداد تحقيق عن زيارته لينبع وعن مهمته الصحفية والتحقيقية للمهمة التي جاء من أجلها .. وطبعا الموقع بالإنجليزية ـ وأخوكم تمتع بالصور والبراويز مع الإلتفات يمينا وشمالا تبعا لحركة المتحدثين ،،، !!! وبعدها طلب مني أن اصطحبه في جولة ميدانية على أهم الأماكن السكنية القديمة في منطقة ينبع التاريخية بحي ( الصور) وهناك انبهر بما رأى وأخرج آلة التصوير وصعد فوق بعض السيارات الخربة عند موقف النقل الجماعي لاختيار المكان المناسب للتصويرحتى أنني خفت أن يسقط عليه أحد الجدران . ثم طلب مني أن أحدد له منطقة البحر التي رست فيها السفينة التي كانت تقل الرحالة ” بيرتون” الذي زار ينبع وشرحت له كيفية رسو السفن سابقا في الغاطس قبل إنشاء الأرصفة وحذرته من التصوير بناء على تجارب سابقة لي مع الجهات الأمنية ـ مع العلم أن كل هذه المشاهد موجودة في المجلات والصحف وفي الإنترنت ولكن كلمة ( ممنوع التصوير ) ما زالت تلاحقنا وتثبت أن تعليماتنا تحتاج إلى تجديد وغربلة ـ المهم أن الرجل كان في غاية السعادة وطلب مني أسماء بعض المراجع التي يستفيد منها في هذا الموضوع فأخبرته بكتاب ( الجاسر) بلاد ينبع ، وكذلك كتاب الخطيب ( تاريخ ينبع ) وهو بالتأكيد يريد مراجع بغير العربية !! ثم شكرني وودعني وهو يؤكد ويوصي بالمحافظة على المنازل القديمة ذات الطراز المعماري المميز التي رآها وقام بتصويرها ، وسألته عن وجْهته فقال إنه يريد زيارة إدارة ميناء ينبع التجاري ..فتابعتُ جولته بعد ذلك عن طريق الهاتف لأطمئن بإنجاز مهمته فقد زار إدارة الميناء واجتمع بمديرعام الميناء الأستاذ/ عبد الله الزمعي وقد أخبرني الأخ عبد الله لاحقا بأنه أعطاه كل ما طلب من معلومات وصور وجلس معه وقتا مناسبا وأجاب على كل أسئلته الخاصة بالحياة الاجتماعية وأوضاع مدينة ينبع سابقا .. ثم علمتُ أنه غادر ينبع وهو ممنون وسعيد بما حصل عليه من معلومات وصور عن أحوال ينبع في الماضي والحاضر . أرجو أن أكون قد أعطيتكم فكرة مفيدة لهذه المهمة وأن تكون الحكاية ذات مدلول وطني ومهني نستفيد منه في مستقبل الأيام لنعرف أن بعض المهمات تحتاج إلى عزيمة وتضحية ومعاناة كما رأيناها في هذا الصحفي الذي جاء من أقصى الغرب ليتحقق ويتأكد كي تكون أطروحاته صادقة وموثقة عن المستشرق البريطاني ( السير ريتشارد بيرتون) …دمتم بكل خير .
******
عواد محمود الصبحي ـ 1428هـ
ليست هناك تعليقات