آثــار يـنبع آيـلة للسقوط
آثــار يـنبع آيـلة للسقوط
أزعم أن هذا المقال الذي نُشر في الصحف عام 1422هـ ، كان سببا في تحريك الراكد وتشكيل
“لجنة أصدقاء التراث بينبع”
من المؤكد أن الحضارات البارزة ودعوات التجديد الحضاري عادة ما تنطلق من التراث ؛؛ هذا ما يجب أن يفهمه كل من يحاول قراءة هذا التراث بكل أنواعه وأشكاله ؛ إنه الموروث الإنساني الغني بالتجارب والمعرفة والثقافة
أما نحن في ينــبع فنظرتنا ـ أو على الأصح نظرة من يعنيهم الأمر في هذا الشأن ـ نظرة قاصرة لا ترقى إلى المستوى اللائق لما هو بين أيدينا وأمام أعيننا ..فقد ذهب كل موروثنا وأوشكنا أن نتنـكّر لماضينا ، وسوف نُسأل في يوم من الأيام عن هذا التفريط وهذه المجافاة التي لا مبرر لها على الإطلاق.
هل نتحدث عن أبواب ينبع وأسوارها التي هُدمت ، أم عن القلاع والأرصفة والأسواق التي أزيلت ، أم عن المشّايات والطواحين والصهاريج التي أصبحت أثرا بعد عين . حتى مشاريع التوسعة التي فرحنا بها قضت على أشهر ثلاثة مساجد في ينبع كانت مآذنها رمزاً لفنون العمارة الإسلامية ،، وهي مسجد ابن عطا ، ومسجد الخضر ، ومسجد السنوسية ، ولكن ماذا نقول إن كان هذا قدرنا وهذا نصيبنا { وماشهدنا إلا بما علمنا} .
ثم جاء الدور على المنازل القديمة ذات الطابع العمراني المتميز بحي “الصور” ؛ ليقضي على ما تبقى من تراث الأجداد وليمحو كل أثر للماضي ويعمق الجراح ، وليؤكد أننا أمة تنسلخ عن ماضيها ولم يعد في حسابها ما يُسمى بالبعد الوطني والقومي الذي تحرص عليه كل الأمم ،، هناك في بلد أوربي وقف السكان بأجسادهم يحاصرون المعدات والجرافات التي جاءت لتزيل شجرة كبيرة معمرة اعترضت تنفيذ أحد الشوارع ونجحوا في تحويل مسار الشارع لتبقى الشجرة في مكانها رمزا لماضيهم وحفاظا على هويتهم ووفاء منهم لهذا الرمز؛ أما نحن فنجْهزُ على بيوتنا التي تحمل بين جنباتها أجمل الذكريات ، وأعطرالأمسيات ، ونُعدّ بيانا ينشر في الصحف تحت عنوان ( المنازل الآيلة للسقوط) تمهيدا لإزالتها ونرفع شعارا صارما لا مجال للتهاون في تنفيذه :
وكل بيت وإن طالت سلامته * على دعائمه لا بـُد مهـدومُ
وقد لا يكون من الملائم أن نوجّه اللوم لأحد بعينه فكل واحد يعرف حدود مسؤوليته وواجباته الوطنية ، ولا يؤاخذ إنسان إلا بجريرته قال تعالى{ أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون } 41 يونس
ولكن ألا يستحق تراثنا أن تُشكل له لجنة باسم ( لجنة أصدقاء التراث ) على غرار لجنة أصدقاء المرضى مثلا ، أو لجنة أصدقاء البيئة ؛ تضم هذه اللجنة جهات رسمية وأهلية مهمتها الحفاظ على ما تبقى من تراثنا ، والسعي الجاد لترميمه وإبرازه بتبني إقامة المتاحف الوطنية والمعارض السنوية ، ولا سيما أننا مقبلون على عصر تزدهر فيه السياحة لاستغلال التراث والتعامل مع كل موروث بوعي وجدية حتى نصل بوعينا إلى درجات العشق والتفاني .
إنني من هذا المنبر ـ وحتى لو قيل بأننا نسير في قطار المتباكين ـ أناشد المسؤولين والمهتمين أن يفتحوا صدورهم ويقوموا بأي عمل يخدم هذا الجانب ، وكيف يفوت علينا أن نضع في أولوياتنا وميزانيات الخدمات البلدية تنفيذ مشروع ولو بمبلغ زهيد يحفظ لهده المدينة شيئا من ماضيها العريق ؛ ألم يكن ترميم منزل أو منزلين من هذه المنازل القديمة الأثرية أهم من تزفيت بعض الشوارع والأزقة العشوائية المنزوية !! ولكنها الميزانيات وبنودها ، والاهتمامات وترتيبها،، هل هانت علينا هذه التحف المعمارية لهذا الحد من الجفاء والتناسي والجحود .
إنني شخصيا كنت أداري وجهي خجلاً كلما رأيت أحد الخواجات يقف بجانب هذه المنازل يلتقط صوراً تذكارية ورأيته مشدوها أحسبه يتأمل جمالها ورواشينها وأبوابها وزخارفها ولكنه بالتأكيد كان يقول في قرارة نفسه يالكم من أمة لاتعرف قيمة لماضيكم ؛ فكيف تعيشون حاضركم وتستشرفون آمال مستقبلكم وأنتم لاتعتزون بتراثكم .
تلكم هي منازلنا القديمة التي كانت في يوم من الأيام تجلو عن النفس الهم والقتامة ، وتزهو رواشينها ومشربياتها بالحسن والزعامة، فيا مأوى ذكرياتنا ، ويانسائم هوائنا البحري العليل ، النبلاء في الدنيا كثيرون، والصبر جميل وجميل ، فقد جربنا الآن صخب الحياة وعشنا في دوامة المنشآت والصناعات ، ومآل النفس أن تستريح من هذا العناء لنرجع إلى الهدوء والصفاء ،ويستيقظ فينا الإحساس ونحن لا نكف عن ندائنا :
ليلي يطول وحسرتي تقسو * فمتى بربك تشرق الشمس
(وسفيـنة) الآثــار تائهــة * فمتى على شطآنــنا ترسو؟
بقلم / عواد محمود الصبحي / صحيفة المدينة / 1422هـ
ليست هناك تعليقات