أبو حمدان يتذكر أسواق ينبع - مدونة الأستاذ عواد محمود الصبحي

مدونة الأستاذ عواد محمود الصبحي

اخر الأخبار

أبو حمدان يتذكر أسواق ينبع

 

أبو حمدان يتذكر أسواق ينبع

ركب أبو حمدان مع ابنه الأكبر في السيارة وقال له : هذه العصريـة نريد زيارة عمتك ؛  فمنذ أسبوع لم أزرها . قال ابنه : ولكنك كلمتها يوم أمس بالهاتف قال : الهاتف لا يكفي ، بل نحسبه ” نصف المواجهــة ” كما كنا نقول عن الرسائل . انتهى أبو حمدان  من زيارة أخته وفي عودته عرج به ابنه على (سوبر ماركت ) كبير لشــراء ما يلزم قال له هل تنزل يا أبي أم تنتظرني في السيّــارة قال بل أنزل معك فلمّا دخل بَـهَرتهُ الأنوار وجهـرته الأرضيــة اللامعــة وتضـايق من كثرة الداخلين والخارجين والمشترين فتسمـّر عند البوابة ينتظر ابنه 

عاد الابن فوجده متأملاً سارحاً قال ما بك يا أبي ؟ وفيم تفكر؟ ‍‍‍‍‍ قال سَرحتْ بي ذاكرتي في أسواقنا القديمــة كأنني أشم رائحتهــا وأتحدثُ مع من أعرفهم قال ابنه ولكن لم يكن عندكم في ذلك الزمن إلاّ سوق واحد صغير قال بل ثـلاثة أسواق ؛ سوق الليل وفيه يُباع التمر والتمّرة والفرق بينهما أنّ التمر تكون حباته مفردة كل حبـة لوحدهـا أمّا التمرة فهي التي نسميها  ( الموْطيّـة ) المحشـوة في (المجْـلاد) وهي ذات طعم خـاص ومخلوطـة (بالقوْزر) وبعض الأزهـار ذات الرائحـة العطـريـة كما يُباع في هذا السوق السمن البري ، والعسل الأصلي ، والحبال (والمخاطم والحوت الناشف ، والبصر والصرنباق) ، والملوخيـة الناشفـة والحنــاء .

     أمّا السوق الثاني فهو السوق التجـاري الواقع بين الرقعتين رقعـة مسجد ابن عطـاء وفيها تـُباع البضـاعة الواردة من ينبـع النخل كالرطب والملوخيـة والحنـاء وموقعها الآن الشـارع المواجه لدكـان سليمـان الغميري ، والرقعـة الثـانيـة هي حـراج العصـر وهي سـاحة ” مسجد الخضر” وتقع بين دكان عبد المحسن خريشي وقهوة القارح حالياً كانت تباع فيهـا كل الأشيــاء القديمــة من أثاث وأخشــاب وخلافـه وبين الرقعتين سوق طويلة فيها صفان من الدكـاكين منها : دكان المقدم وعوّاد خريشي وعبد السلام وعمران دهيثم والعطّار حامد المحلاوي وأبو فيروزة وناصر عاشور وفي آخره بائعو القماش ياسين نحّاس وأحمد الغازي والسيد حسن وتوجد رقعـة ثالثــة صغيرة في وسط السوق هي رقعة السمن حواليها دكاكين الصّــاغة 

أمّا السوق الثـالثـة فتُعرف ” بالماقفة”هي الآن المنطقـة التي فيهـا دكـان جبـارة الحازمي ومحبوب العلوني وابن عـاتق وأبو عيسى وكـان يُباع فيهـا حشيش الأغنـام وكذلك الفحم والحطب وفيهـا أشهر دكاكين الحبـابة والملح وحـراج الماشية وجزء منه خـاص بلوازم البادية ما أحلى تلك الأيام وأنت تتجول بين جنبـات السوق تشم رائحـة الملوخيـة الناشفــة وتذوق طعم عسل النحل والسمن البري في أعكاكه وتسمع صوت الدلال يُنادي ومعه عيّنة البضــاعة رحم الله الشـاعر عبد الرحيم القفطي وهو يجسد تلك الأيام من خلال قصيدة طويلة يقول في بعض أبياتها :

أهْـوى وقــوفي لــدى باب الحديد لكي  

                                 أرى مصابيح سوق الليل كالشهب

في رقعة السمن لي قصدٌ ولي غرض     

                                  وعــند سوق الفـواتي مُنتهى أربي

يا فــوز مَـنْ كــان موجودا هناك إذا      

                                 قام الحراج وصار البيع في الرطب

مَـنْ لي بــردِّ أويْـقــات لنا سـلـفَـتْ           

                                في يـنبـــع الخـيـر والآمــال والأدب

أرجــو وآمـــلُ أنّ الله يـجـعـلني              

                               فــيهــا مـقـيـما مــدى الأيــام والحقبِ

ليست هناك تعليقات