أبو حمدان وشنطة الأوراق
أبو حمدان وشنطة الأوراق
جلس أبو حمدان في غرفته وحيداً على غير عـادته بعد أن أحضر براد الشـاي ووضعـه أمامه وبدأ يصبُّ كأساً ويشرب منه وإذا وصل إلى منتصفـه صب كأساً آخر حتى إذا انتهى من الأول وجد الثـاني وقد هدأت حرارته وأصبح جـاهزاً للشرب !! سمع ضوضاء أحفـاده بالقرب من الغرفـة نظر أحدهم من فتحـة الباب المتبـقيـة فرأى جدّه أبو حمدان وقد وضع بين رجليـه شنطـة قديمـة من الحديد وبدا منهمكاً يُفـتـشُ فيهـا وهي ممتلئـة بالأوراق والقصـاصات المهترئـة استأذن منه .. جدي هل أدخل ؟ قال : إن كنت لوحدك ادخل فدخل حفيده أحمد بادره جده أبو حمدان : هل تستطيع القراءة في هـذه الأوراق فـتُسـاعدني . أمْسَـك أحمد بمجموعة من الأوراق ثم طرحهـا من يده وقال : هـذه خطُهـا قديم لم نأخذه في المدرسـة . ضحك أبو حمدان : نعم حتى الخطوط أصبحت قديمـة !!! ليتـك تعرف يا بـُني بماذا كُتبت هـذه الأوراق ، لقد كـُـتبتْ بالريشـة المغمـوسـة في دواة مملوءة بالحبر البلدي ألا تراها زاهيـة لم يتغير لونهـا رغم أن لها أكثر من خمسين سنـة …
لكن يا جدي وما هذه القصـاصات .. إن فيها حسـابات وأرقـام .. هل كنتم تدرسون الرياضيات ؟ نعم ندرس الحسـاب ونجمع ونطرح أما حسـابكم فلا فـائدة منه … أُعجب أحمد بالقصاصات وأخرج واحدة وأعطـاها لجده طالباً منه أن يقرأ ما فيهـا قال له: هـذه مكتوب فيهـا طرف أبو حمدان :
أقــّـة تمرة (7) هلل ـــ أقة سمن بري (9) هلل
أقة عسل نحل (4) هلل ــ أقة سكر 3,5 هللة
كيس رز بكة أبو نخلتين (8) صاع 7 ريال مجيدي
كيس دخن وارد جازان (11) صاع 9 ريال مجيدي
أقة لحم (4) هلل ــ فتيلـة دقيق أبو باورة (80) أقة 10 مجيدي .
قال: ماهذا ياجدي هل هـذه أسعـاركم التي كنتم تتعـاملون بهـا في سوق ينبـع ؛ قـال : نعم وليس عندنا وزارة تجـارة ولا لجنـة مكـافحة الغش التجـاري …
قال ومن أين تأتون بالفلوس؟ قال نأتي بها من عرق جبيننا ؛ من العمل في الحجر والطين ، أو من صيد الأسماك ، أو السفر في السنابيك والمراكب الشراعية إلى مصوع ، وأم درمان والسويس ، واليمن أو من الزراعة والنخيل في ينبع النخل والبعض منا موظفون عند الحكومة كان راتب العسكري 8 ريال مجيدي وراتب أمير ينبع 30 ريالا في الشهر، وأكبر ذبيحة من الطليان الحري نشتريها بـ 3 ريالات والبيض البلدي 5 بيضات بقرش سلام الله على تلك الأيام بطهرها وصفائها وجمالها وعلى ما فيها من قـلة ذات اليد فقد كنا ننعم بانشراح الصدور وصفاء القلوب وحفظ الود ونشعر الآن بمعاناتكم في زمن كثر فيه الغش والخداع وعم الغلاء والوباء ، وحل بكم الجدب والشقاء تلوث هواؤكم بعوادم السيارات وتبدلت عندكم التقاليد والعادات تغسلون وجوهكم صباح مساء بكل أنواع الصابون والمنظفات ولكنكم لم تحرصوا يوما على تنظيف دواخلكم مما علق بها من الوهن والضياع والبعد عن المنهج القويم والسلوك المستقيم.
ليست هناك تعليقات