أبو حمدان وذكريات الصيف - مدونة الأستاذ عواد محمود الصبحي

مدونة الأستاذ عواد محمود الصبحي

اخر الأخبار

أبو حمدان وذكريات الصيف

 

أبو حمدان وذكريات الصيف


ذكريات الصيف في ينبع النخل          
لم يكن أبو حمدان منزعجا من ابنه كما هو في هذا اليوم فقد أتاه يستـشيره أو يستأذنه لكي يسافروا جميعًا إلى خارج الديار لقضاء فترة الصيف هناك سأله وأين ستكون وجهتنا ؟ قال الابن : إلى بلاد الشام !! .. سكت ولم يعجبه الكلام فأعاد عليه العبارة بوضوح أكثر ،،  نذهب إلى ( سوريا ) يا أبي ، لقد ذهب الكثير من الجيران ومن أقاربنا إلى هناك ويقولون إن الصيف في تلك البلاد جميل وممتع .. ( زمّ شفتيه ) : لا تعرفون معنى الصيف ولم تمرعليكم أيامه ولياليه ، ليتكم تتخيلون ما أتذكره الآن عن الصيف في ينبع النخل وتلك المناظر من الشباري تتقاطر بها الجِمال تقطع رمال ( المساريح والعقدة ) مقبلة على (المشيْريف) . من هناك نشمّ  الرائحة الفوّاحة ، لو كان بيدنا لتركنا ( الرّكْب ) نتسابق ركضًا إلى تلك الرياض والبساتين النضرة ورائحة الفل والورد والليمون وذلك البساط الأخضر والعيون الجارية تسمع خريرها من بعيد وتستمتع بالنسائم العليلة مع سماء صافية ومناظر خلابة وأصوات هنا وهناك تلجلج بعد الغروب مختلطة بأصوات معاميل القهوة ومجالس السّمر وسوالف الرجال ومَنْ فاته ذلك الصيف فقد فاته خير كثير لقد كان حلمًا يصافح الأذهان صباح مساء وكان غرامًا وهوى لتلك المروج ، وعلى رأي الشاعر محمد الأمير ( يرحمه الله ) وهو يتساءل إن كان يستطيع اللحاق بما بقي من أيام ا لصيف وأنسه وأماسيه الجميلة يا صـاحبي إن كان سنـّــدنـا       ليـلــة 13 مــن شـعـبــــاننـلـحــق مـن الأنـس نايـبْـنـا        ولا الهوى قـفـّـل الـبـيـبــان
ذلك هو الصيـف الذي كنّا ننتظـره بفارغ الصّبر ، رحلة تتكـرر كل عام إلى تلك القرى الحالمة بدءاً من قرية ( المبـارك) التي فتنت( لورانس العرب ) بتـاريخها وبسـاتينها وطبيعة موقعها، ومروراً( بالقريـة والعلقميـة والجابرية ،  وعين عجلان يا روحي)  ثم( سويقـة ) برجـالها وبعظمـة ما جرى على أرضها ثم السّويق حـاضرة القرى وما تفتخـر به من حكايات وآثار تُجسّد الأرض والذات ، ومنابع (عين الحسن ) والجار وانتهاء بالبثـنة وخيف حسين وما بين البدايـة والنهاية من إنسانيـة اليُنـبعي حيثُ نقاء السريرة ومرابع الصّفا والكرم الحاتمي في كل القرى هناك يستقبلك أهل الديرة برطب ( السّمْنة) وذلك الفطير الشفّاف تفوح رائحته من عبق السعف( والكرناف ) الذي يوقد به تحت الصاج وفرحة بالقادم الذي أصبح ضيفا وهو من أهل الدار ، ومع هبهبات المساء الخالية من الرطوبة تسمع الكثير عن المزارع  وأنظمة الري والزيادة وغلّـة الشتاء والنخلات التي أطْـلعت ( وأجْـهلت ) لأول مرة لا ترى إلاّ أقداما تطأ البساتين وعيونا تُحلّق في هامات النخيل قبل الغروب وبعد الشـروق صباح الرطب الجنيّ المُناصف والدّبس وتغريد العصافير ونغمات القماري ، وعند المساء يحلو السمر الجماعي في ليلـة رديح يحكي بها الرواة في مجـالس الكسرات كلاماً ينطق بالمعنى وقصصاً ينقلها الحادر للبندر ، هناك تُختصر المسافات في ليالي ( الصبيانيـة ) الذبيحة بثلاثة ريالات فمن جـامع للحطب ومالئ لقربة المـاء يطبخـون ويأكلون لحمـاً نقياً أبيض ومرقاً لا تفارق لذة طعمه حاسة المذاق  ومن حضر القسمـة فله نصيب من ستـة عشر ربْعا  هي كل أقسام الذبيحة 0 ومن هدايا البحـر للنخل ليس أجمل من (الحوت النّاشف والطـاقيـة الشلش) للخادم والخارف  وفي آخر الصيـف يأتي ( الجداد ) وحصر التمر وتجهـيز  (المجـاليد ) وحشـوها ليس أحسن من تمر الفروخ الذي يلحق الوسم فتحجز ( الجربان ) بعد ملئها بهذا التمـر حادرة يسبق بها الجمّال إلى أعز الأصحـاب والأحباب يقول الشاعر عواد عبد الغفار:شوقي على الصيف وأيامي      في ينــبع النخــل لما كان
أشـاهـــد الخـيــف قــدامــي      وعيون تجري مع الوديان
والصـيـف لا حـان إلــزامي     إحـنـا على وعــد لـنّه حان
آنــا وخــالــــي وأعـمــامـي     وربعه من الناس والجيران

ليست هناك تعليقات