عيدكم مبارك في ينبع - مدونة الأستاذ عواد محمود الصبحي

مدونة الأستاذ عواد محمود الصبحي

اخر الأخبار

عيدكم مبارك في ينبع

عيدكم مبارك في ينبع

     العيد هو الفرحة ، وهو الجائزة  ، و للمسلمين عيدان ؛ عيد الفطر ، وعيد الأضحى ، و هما تتويج لعملين عظيمين .

       فعيد الفطر يأتي ابتهاجاً بإتمام الصيام ، وعيد الأضحى يأتي بعد استكمال المسلمين لمشاعر الحج . وفرحتنا بالعيد فرحة مشروعة تتمثل بإدخال السرور إلى النفس  وإلى نفوس الآخرين ، و لقاء الأحبة و زيارة الأقارب ، و صلة الرحم ، و مواساة الفقراء  والتمتع بما أنعم الله علينا من النعم  والخيرات الكثيرة .   لأن من يعش فرحة نفسه  فقط  لم  يستمتع بالعيد كما يجب0 فلا بد أن تستشعر القلوب مصافحة  بعضها قبل امتداد الأيادي ، وأن نتجاوز الآلام المزروعة في حياتنا ، و أن نضمد بالحنان أحزان بعضنا ، ليكون عيدنا عيداً حقيقياً تصفو فيه النفوس ، و تعود المحبة وتشيع الألفة بين الأسر والأقارب  والجيران .

 ومما أتذكره عن العيد  هنا ؛؛  يستعد الناس للعيد قبل حلوله بأيام فينظفون بيوتهم بإخراج (الخصف)  والحنابل  والمفارش الصوفية لغسلها في مياه البحر ثم نشرها على الساحل وفوق السنابيك  والأبوات المنزوكة وريثما تجف يقومون بفرش  أرضية المجالس والغرف  برمل البحر ؛ وهو ليس برمل و اسمه { الجلجال } وهو عبارة عن حبيبات صغيرة جدا  من بقايا الأصداف المتكسرة ؛ كان الناس يأخـذونها من  ( رأس الدقم ) الواقع الآن  في منطقة الكورنيش .

وبحلول العيد يفرح كل طفل بثوب جديد من النوع ” البفتة ” الأبيض أو الملون حيث تتم  خياطة الملابس داخل البيوت للكبار والصغار أو عند بيوت مشهورة ومعروفة بهذا العمل  إذ لا يوجد في ينبع خياطون ،  ولابد أن يلبس الكبار العمامة الحلبي أ والغباني والعزيزي أوالشرقـيّة الحمراء لأهل البادية .

 ومن الصور التي لا تـُنسى كذلك تـزيين الصبيّـات الصغـيرات بالحناء و قد يتجمعـن في بيت واحد بحكم الجيرة والقرابة وفي البيوت يستعد النساء بعجن الدقيق لعمل الخبز والفـتوت وبعض الأصناف الأُخرى التي تُـقدم للزائرين خـلال أيـام العـيـد { كالمعمول والمنقـوش والغريّبة} لأنه خلال أيام العيد الأربعة لا تجد مخبزاً ولا دكاناً ولا محلاً يفتح أبوابه .

تبدأ الأفران نشاطها في اليومين الأخيرين من رمضان ليلاً ونهـاراً وإذا ما ثبت دخـول العيد تطلق المدافع عـدة طـلقـات سـاعة وصـول الخبر لإشعـار
 الناس بذلك وبعد انتهاء صلاة العيد نشاهد تدفق الناس إلى الأحياء بكثافة فتمتلئ بهم الأزقة وتـُشرع
  الأبواب لاستقبالهم فهم يعيّدون على من يعرفون و من لا يعرفون ولا تسمع إلاّ كلمات الترحيب و الود ولا تشم إلاّ رائحة الطيب والكادي والورد ، و تبدأ المعايدة بين أهل الحي نفسه ثم يذهب وفد من كبار أهل الحي و وجهائه إلى الأحياء الأخرى يتبادلون التهاني بالعيد السعيد ، و من المعروف أن أهل ينبع الغائبين عنها لابد أن يحضروا إليها في الأعياد مهما كلفهم ذلك  على طريقة ( جمع الأحِـبّه نهار العيد).

      وهنـاك في برحـة العيد الوحيدة  المعـروفـة ( بالما قفـة ) في السوق القديم بمحلة ( الصور ) عند مسجد السنوسي يجري العمل ليلاً ونهـاراً لتجهـيز مكان العيد بالمراجيح والألعاب الشعبية والبسطات  التي تبيع البليلـة ، وألعـاب الأطفـال ، وقوارير (الشربيت ) وهو بتصغيره أقل جودة من شراب التوت .

كما أن للرجـال نصيبا في هـذا المكـان كالمقـاهي والمراجيح الخـاصة بهـم .. ومنذ الصباح   تشاهد الأطفال وقد ارتسمت على وجوههم البسمة والبهجة .. وكانوا  باكرا  قد زاروا  البيوت لأخذ ( العيدية ) و هي لا تتعدى القروش أو شئ من اللوز والحمص والحلوى وهم في غاية السعادة ..

وفي العصر تجد الكبير والصغير و كل أهل ينبع ، الكل يفرح أو يجد ما يفرحه  في هذا المكان ابتداءً بمرجيحة الرجال التي ترتفع إلى عنان السماء يلتفون حولها في مزاد علني على اللوح  و من يدفع أكثر يفوز بالركوب وسط مشاعر البهجة والتسلية البريئة .

ثم مراجيح الصغار والصناديق الدّوارة باليد عند الشيخ/ أبو يونس ،  والطراطيع و نجوم الليل و الطعمية ومقاهي الرجال و ركوب الحمير و كم من راكب انفلت به حماره  وسار به إلى ما لا يريد ، أما العربيات الكارو فكانت لها صولات و جولات لأنها تذهب بنا إلى أماكن كنّا نظنّها بعيدة حيث تخرج من الباب الصغير وتعود ثانية وموقع الباب الصغير هذا  قريب من سوق رمضان الآن 0 وبعضهم يذهب إلى أماكن أبعـد كأنهم في رحلة طويلة وهي إلى مزرعة ( أبو مهنا ) في القف و كان لا يوجد في كل القف إلاّ عدة بيوت تعدّ على أصابع اليد الواحدة ،، وفي نشوة بالغة يرددون أهازيجهم البسيطة :

( خلي العجل يمشي يا العجلات ، يمشي على رمشي يا العجلات ) وعندما يعودون من القف كأنهم قد فازوا بشيء لم يفز به غيرهم :
 ( رحنا القف وجينا جبنا حلاوة وطحينة)
أعزائي :
إنها صورة جميلة وقد لا يحس بجمالها إلا من عرفها وعايشها ونحن الآن وبفضل الله  ما زلنا محافظين على شئ من هذه العادات والتقاليد الطيبة مع اختلاف الوسائل والأساليب ولكن هل تدرون من أحق الناس بالمعايدة إنهم المحرومون من مشاركة الآخرين فرحة العيد ، كاليتيم الذي يتذكر من فقد ، والذي أعاقه المرض و حرمه من مخالطة الناس ، ومشاركتهم الفرحة ، فهو مكبّل بحواجز الأسرّة البيضاء و نحن نرفـل بثياب الصحة والهناء ، فلنخفف عن هؤلاء فإن سعادتنا تبدأ بتحمّل جزء من أحزان الآخرين ،  وأن نسمعهم كلمة طيبة و نسمع منهم ما يُفضون من هموم وآلام .

أيها الأحبة … اغسلوا أدران أحزانكم بفرحة العيد

ورددوا  قول الشاعر : 

ما للقلوب التي كانت تــعانـقهـــا

                     أفراحها اليوم لا تهتم بالعيد

هل تشتكي الحزن إن الحزن مبعثه

                     كآبة النفس من هم و تنكيد

فلتلحقوا موكب الأفراح إن بــــــها

                     صفو القلوب و فيها فرحة العيد


ليست هناك تعليقات