بيت أهلك يا أصيل - مدونة الأستاذ عواد محمود الصبحي

مدونة الأستاذ عواد محمود الصبحي

اخر الأخبار

بيت أهلك يا أصيل

 

بيت أهلك يا أصيل

عندما كانت الحياة بسيطة  والأحلام  لاتتجاوز توفير لقمة العيش وراحة النفس بعد مكابدة وجهاد طوال النهار جاء للعم ( بطران ) من يخبره بأن حماره قد سرقه ( القوم) والقوم في عرف تلك الأيام هم قُـطـّاع الطرق الذين يتربصون  خارج سور البلدة يصطادون ما يريدون  ثم يختفون عن الأنظار ؛؛ حيث سرقوا حمار بطران  هذه المرة وذهبوا للمدينة المنورة  ليبيعوه هناك  بثمن بخس بعيدا عن الأعين !!!

جلس بطران يفكر ماذا يفعل  وقد حرموه من حماره ومصدر معيشته الوحيد ؛ يجلب على ظهره الماء من الصهاريج خارج البلدة ويبيع القربة بقرشين حامدا الله وقانعا برزقه الذي كتب له  خيـّم الحزن على هذا البيت وأهله فقد كانوا جميعا يشعرون بأهمية هذا المخلوق  وكم كانوا يحتفون به ويغسلونه في البحر ويزينونه بنقوش الحناء  كيف لا وهو وسيلتهم ومصدر رزقهم يحتل جانبا من حوش الدار أما الآن فقد أوحش المكان ولا يعلمون ما يخبئـه الزمان 

قد تلعب الصدف أحيانا دورها الذي يقدره رب الأرباب فقد اشترى الحمار( السيد أبو يحيى ) وجاء به لينبع  فرحا مسرورا حيث كانت صفقة ناجحة  رخيصة الثمن !!

بدأ السيد يشتـغـل على الحمار وهو لا يعلم أن له صاحبا هنا ولم يخطر بباله ذلك وبعد أشهر بينما الحمار محمّل بقرب الماء  انشغل عنه السيد فدخل الحمار من باب الجِمال كالمعتاد وما هي إلا لحظات وأصبح السيد لا يرى لحماره أثرا!! بحث عنه في كل الأزقة وخارج السور وعند ساحل البحر فلم يعثر  عليه  أما الحمار فقد سلك طريقه المعتاد منذ عشرات السنين إلى بيت صاحبه ( بطران) وعندما دخل عليهم قام أهل البيت جميعا لاستقباله مهللين ومتعجبين من أين أتى !!  وجاء الجيران يركضون على أصوات الزغاريد يهنئون العم بطران برجوع حماره  سالما معافا  المهم أنزلوا قرب الماء من ظهره وأفرغوها في الزير وأرسل بطران ابنه الأكبر بالحمار ليبدأ عمله في جلب الماء وبيعه كما كان سابقا وكأن شيئا لم يكن !!

 أما السيد فكان هناك  عند صهاريج الماء يتفرس في الحمير ، ولم يمكث طويلا  فقد أصبح وجها لوجه أمام  حماره  الذي لا ينكره !!! نزع السيد  ولد بطران من فوق ظهر الحمار وأعطاه ( كفين) وأخذ حماره وانصرف اتضحت الرؤية الآن  وأصبح للحمار صاحبان هما  (السيد وبطران ) لم يتوانى العم بطران في تقديم شكوى ضد خصمه وهناك في مجلس  حاكم ينبع آنذاك  (الشريف  عبد الله أبو ماء) قدم كل واحد دعواه وأحقيته في امتلاك الحمار  أرسل الشريف  في طلب الحمار وبدأ الصراع والكلام وإيراد الحجج  وانتظار الأحكام احتار الحاكم ماذا يصنع فاقترح عليه أحد الحاضرين أن يفلت الحمار ويربط حبله في عنقه ويتركه هائما فإن ذهب لبيت السيد فهو أحق به وإن كان طريقه لبيت بطران فهو  كذلك وافقوا جميعا على الاقتراح على الرغم من تردد السيد لأنه غير مطمئن  للنهاية أطلقوا الحمار وربت ( بطران) على ظهره قائلا ( بيت أهلك يا أصيل ) مما جعل الشريف والحاضرين يستغرقون في الضحك  أرسل الشريف خادمه

( فرج) يتبع الحمار دون تدخل منه وبسرعة البرق عاد وأخبر أن الحمار دخل بيت بطران دون استئذان !!! ندم السيد على هذه النهاية التي لم تكن في صالحه عندها انتهى الأمر وحسم الخلاف سأل الشريف السيد عندما رآه متحسرا على الحمار الذي تعب في إحضاره من المدينة سأله  : بكم اشتريت الحمار يا سيد  ؟ قال بجنيهين فأعطاه قيمة الحمار  وقال له اذهب واشتر حمارا آخر !!! تلك هي ذكريات السنين وحكايات  الطيبين نسردها فتزيل وحشتنا ، وتـلهب عشقنا لأهلنا وما بقي في ذاكرتنا.

ليست هناك تعليقات